الحياة الإجتماعية في مدينة الجزائر أواخر العهد العثماني.

شارك:
نظرا لدقة البحث وما يترتب عليه من طبيعة خاصة حاولنا إبراز الأهمية العظمى لهذا الموضوع، وذلك من خلال الإرتباط الوثيق للتنظيم العثماني من جهة، وتعقد الحياة الإجتماعية في العصر العثماني من جهة أخرى، والذي تولد عن زيادة عدد السكان ومطالبهم وما صاحب ذلك من أمور. الأمر الذي أدى إلى إختلاف المؤرخين في تقديرهم لأعداد السكان بسبب تفشي أمراض لم تكن معروفة من قبل. ونتج هذا الإختلاف عن عدم إهتمام السلطات التركية بعمليات الإحصاء.
ومما لاشك فيه أن هناك عوامل أثرت في الحياة الإجتماعية والثقافية في الجزائر أواخر العهد العثماني، خاصة الوجود المسيحي، واليهودي، وهجرة الأندلسيين خلال القرن التاسع هجري، كما إتسمت الأوضاع الإجتماعية بالفوضى والإضطرابات، وتأثرها أيضا بالأمراض والأوبئة، وحتى الكوارث الطبيعية، إذ كانت الحياة الريفية تعرف قساوة شديدة فكثيرا ما كانت تتعرض للغارات التركية لعدم إستجابتها للضرائب المفروضة عليها، وكذا كانت القبائل الجزائرية تعيش صرا عات دموية نتيجة السياسة التركية المنتهجة والتي كانت تستهدف الحيلولة دون وحدتها، كونه يشكل خطر على وجود الحكام الأتراك، الأمر الذي حال دون إنصهار المجتمع في بوتقة واحدة مع الأتراك، حيث بقي المجتمع يعيش فترة موحشة وعداوات قاتلة كما شهدت الجزائر خلال القرنين 14 و15م تدهورا إقتصاديا وإنحطاطا إجتماعيا صاحبه سوء الأحوال الصحية والمعيشية وزادت من حدتها هجمات الإسبان على السواحل مما أدى إلى إنعدام الأمن الذي ساعد على تخريب المدينة مثل دلس وبجاية، إضافة إلى إنتشار الأوبئة إثر ظهور المجاعات والجفاف خلال 1584، و1663، و1787.

مما أدى إلى إختلال عدد السكان حيث نزل من مائة وثلاثون ألف نسمة إلى أربعين ألف نسمة في القرن التاسع عشر ميلادي(، في حين أن القرن التاسع العشر ميلادي تميز بشدة الأمراض وقوة إنتشارها في مختلف جهات الوطن، ويضاف إلى هذا حدوث الكوارث الطبيعية التي أدت إلى تضرر الإقتصاد وتناقص عدد السكان منها زلزال 1716 الذي خرب مدينة الجزائر، إضافة إلى الفيضانات والعواصف التي غطت بها المياه مساحة واسعة كفيضانات عام 1816وهكذا تميزت المرحلة الأخيرة من العهد العثماني بالجزائر بفترات عصيبة وقاسية، نتيجة تدهور الأوضاع الإقتصادية والذي أثر سلبا على الحالة الصحية والمعيشية، كما إنعكس بدوره على الوضع الديمغرافي بعدم استقراره من حيث العدد والكثافة، إذ نجد أغلبة السكان يعيشون في الريف الجزائري بنسبة 90% (ينما نجد أقلية ضئيلة بالمدن لا تتجاوز 5%، ويعود هذا التدهور في الجانب الإجتماعي لعدم إهتمام الحكام الأتراك بأمور الصحة حيث إنحصر العلاج في بعض المصحات كمصحة زنقة الهواء، وملجأ الأمراض العقلية الخاصة بالأتراك، كما أن هذا الإهمال أدى إلى إنتقال العدوى من المشرق وإنتشار الأمراض بالجزائر منها الطاعون،والكوليرا، وما ساعدها على التوطن إنتشار المستنقعات بالسهول الساحلية، وحول المدن الكبرى مثل عنابة، والجزائر، ووهران.
وكذا عدم إلتزام السكان بالقواعد الصحية، وإنعدام الأدوية حتى بالصيدلية الموجودة بالجزائر ما عدا بعض الحشائش والعقاقير) .



- سكان مدينة الجزائر.
I- البنية السكانية:
إن تصنيف سكان مدينة الجزائر، وتقسيمهم في العهد العثماني موضوع البحث، نظرا لإمكانية إخضاعه وفق معايير وأسس مختلفة. ولهذا لابد من التساؤل عن التركيبة السكانية في المجتمع الذي كان يعيش في أرجاء هذه المدينة، فمما كان يتشكل؟.
يمكننا تقسيم سكان مدينة الجزائر في العهد العثماني على معيار الجنس إلى قسمين:
ذكور وإناث، كمختلف سكان العالم، وكان عدد الرجال يفوق الإناث وذلك راجع إلى أن أغلب المهجرين والأسرى كانوا من الذكور. كما عرف أن النساء لا يختلطن بالرجال، وذلك إتباعا لتعاليم الإسلام وما عرف عن المجتمع الجزائري الأصيل، حيث لعبت المرأة دورا أساسيا في الميدان الإقتصادي والإجتماعي، والسياسي والثقافي، فكانت لا تظهر إلا نادرا وتكون مسدلة على وجهها من الرأس إلى الرجلين(

أما إذا إعتمدنا على أساس الطبقات فيمكن القول أن المجتمع الجزائري في العهد العثماني كان متباين الأصول.(، إذ كان يتشكل من الأتراك والجزائريين، والكراغلة والمهاجرين الأندلسيين، والزنزج، واليهود، والأروبيين، هذا جعل التنظيم العثماني يتخذ شكلا هرميا أخل بالتوازن من حيث المستوى المعيشي على أساس الثروة مما أدى إلى ظهور الطبقة التي تحكمت فيها مختلف الظروف

1- الأتراك العثمانيون: يحتلون قمة الهرم الإجتماعي، ويمثلون أعلى السلم، إذ بيدهم سلطة البلاد مثل البايات والباشوات، والأغوات وأعضاء الديوان، ويؤلف غالبيته فرق
الجند " الإنكشارية " الذين كانو يقيمون في حصون وثكنات المدينة.

وكانت هذه الفئة قليلة العدد، حيث قدرها ها يدو في القرن16م بنحو 1600 منزل للأتراك العثمانيين بالمولد، إضافة إلى الأعلاج وهم عثمانيين بالمهنة والمسيحيين بالدم والأصل. ويشكلون غالبية طبقة الرياس مثل علج علي، وحسن أغا، وهم قوة فعالة في الجهاد البحري حيث وصل عددهم عام 1649م بثمانية ألاف من الذكور وألف ومائتين من الإناث.
ورغم أنهم من أصول وأجناس مختلفة اللسان، والعرف، والجغرافية، إلا أنهم إتفقوا في الولاء للإسلام، والسلطان العثماني.

وقد كان الأتراك متواجدين في كل القطاعات، ولهم إمتيازات واسعة بسيطرتهم على الجزائر حتى نهاية حكمهم بها عام 1830م، وهم بذلك الطبقة الأرستقراطية بيدها الوظائف العليا، وقيادة الجيش وطائفة الرياس، قصد إبقاء المناصب الحكومية بيدهم.

فقد كان نشاطهم عاملا من عوامل إزهار الحياة الإجتماعية والإقتصادية في المدينة، بنشرهم بعض العادات والتقاليد خاصة في مجال الأكولات والملابس، إضافة إلى الفن المعماري والموسيقي، كما ساعدوا على إدخال المذهب الحنفي والطرق الصوفية بربط المجتمع الجزائري بالمجتمع الشرقي، فإستغلو بذلك الأفكار السياسية والدينية السائدة لتثبيت أقدامهم وإنشاء قاعدة لهم على السواحل التي إتخذها الإسبان والبرتغال ملجأ لهم.
وما ميز هذه الفئة أنهم كانوا ينظرون إلى السكان نظرة إستعلاء وإحتقار، وتميزت العلاقة بينهما بالعداء المتبادل والنفور، وهذا ما أكده هايدو في قوله: " لا يوجد في الإمبراطورية العثمانية علاقة أسوء من علاقة الترك بالعرب في مملكة الجزائر"(

فكانوا منعزلين عن بقية السكان، معروفين بالفساد والإنحراف، وقوة البدن والخشونة. في الطبع، وحب الجندية والفروسية.

وعليه ساعد الأتراك الجزائر في الحفاظ على هويتها الإسلامية، ومقومات شخصيتها وتراثها، فهم مدينون حضاريا للحضارة العربية، والفارسية، والبيزنطية، كما أنهم ساهما في تعزيز العلاقات الإجتماعية بين فئات المجتمع الجزائري بأسس قائمة على العقيدة الإسلامية.
2- فئة الكراغلة: إحتلت المرتبة الثانية، وهم المولدين بين نتيجة التزاوج بين الجند الإنكشاري ورياس البحر بالنساء الجزائريات، وكانت هذه الفئة تطمح بالميلاد واللغة والإنتماء العائلي للإرتقاء إلى المرتبة الأولى في المجتمع. لكن الحكام العثمانيين منعوهم من ذلك، وإعتبروهم أبناء عبيد، لأن وجودهم في مناصب الدولة أو الجيش يشكل خطرا على مصالحهم بحكم الإنتماء إلى أهالي الجزائر.

، ولهذا كان وجودهم يعبر عن إرادة الأتراك في الحفاظ على طائفتهم.
وظهرت هذه الفئة لأول مرة في المدن التي كانت تقيم بها الحاميات العثمانية خاصة مدينة الجزائر وقسنطينة، وتلمسان، وعنابة، وبسكرة، وقد بلغ عددهم مع نهاية القرن 18م بمدينة الجزائر نحو 600 نسمة ، وكان الكراغلة يشكلون طبقة وسطى تمارس العديد من الوظائف كالتجارة والمهام الإدارية المتوسطة، وأيضا الإنضمام إلى صفوف الجيش والحصول على إمتيازات العثمانيين، ومع مطلع القرن 19م أصبحت معظم المهام الإدارية بالجزائر من إختصاصهم ، كما كانو هم العنصر المسيطر من حيث العدد والنفوذ في منطقة تبسة، فيملكون الأراضي ويرتفعون عن خدمتها، ويقطنون أحسن وأجمل الأحياء، إضافة إلى أنهم لعبوا دورا هاما في بعض الأحداث، إذ وقفوا
إلى جانب الداي علي خوجة لإخماد التمرد الإنكشاري في سنة1817م، وساعدهم هذا على الإحتفاظ ببعض الإمتيازات وتوليهم المناصب الهامة نتيجة سياسة الترضية التي إنتهجها بعض القادة أمثال الداي شعبان أغا الذي قام بترقية بعض الكراغلة إلى مناصب سامية حيث ولى بايلك الغرب الكرغلي مصطفى العمر سنة 1636- 1648، ومع نهاية العهد العثماني أصبح همهم تنمية ثرواتهم وتنشيط تجارتهم.
وهكذا أدت سياسة التقارب إلى حدوث أثر نسبي في العلاقة بين الكراغلة والأهالي، إذ أصبح الجزائري ينظر إلى الكرغلي نظرة مساوية للأتراك السادة.
وعلى العموم إعتنق بعضم الإسلام، وأصبح تركيا لغة وجنسا، ويأمون المساجد الحنفية، كما إستطاعوا الإرتقاء إلى مراكز النفوذ، وتحسين حياتهم بأنفسهم.
كما إختلطوا بأهلها وأثروا في الحياة السياسية والإجتماعية الجزائرية، حيث كان سكان بعض الغرب الجزائري على صلة بالإسبان في وهران.
3- فئة الحضر: يحتلون المرتبة الثالثة في الهرم الإجتماعي، وتضم هذه الفئة كل من، العلماء والتجار، وأصحاب الحرف، والصناع، والكتاب، والإداريين، كما تتألف أساسا من المجموعات السكانية، القاطنة بالمدينة بشكل دائم، والتي تعود أصولها إلى الفترة الإسلامية، وما إنضم إليهم من أندلسيين وأشراف، وهم بذلك خليط من قبيلتي بني هلال المتواجدة في سهل متيجة، والمغاربة من قبيلتي بني مزغنة أحفاد الضنهاجيين كانت لهذه الفئة دورها الإجتماعي و الإقتصادي والعسكري، لكنها محرومة من المهام السياسة، وذلك لإحتكار العثمانيين للسلطة، وقد مارسوا العديد من الحرف والمهن فكان منهم الصناع، والتجار النشيطون، والتجار المغامرون والفقهاء، والبناؤون، والنجارون، كما كان منهم أصحاب المحلات التجارية وحتى أصحاب البساتين التي تنتج فيها كل أنواع الخضر والفواكه، كما يربون عليها الأبقار والأغنام المخصصة للإستهلاك من طرف سكانها.
ومن أهم العناصر المشكلة لهذه الفئة: الجالية الأندلسية وطبقة الأشراف.
أ- جماعة الأشراف: تمثل فئة قليلة العدد، إلا أنها تعود في نسبها إلى أهل البيت. والتي إشتهر معظم أفرادها بالإحترام، والتقدير للحكام وباقي السكان.
وإقتصر نشاطهم في المحافظة على إمتيازاتهم، إضافة إلى أنهم لم يؤثروا في نظام الحكم.
وقد إستقروا الأشراف في المدينة منذ القديم، وهم أحسن وضعية من الأهالي كونهم معفون من الرسوم من خلال الإمتيازات التي منحهم إياها عروج.
ويشتغل أفرادها في التجارة والصناعة، والبساتين وتتمثل منتوجاتهم في القمح والشعير، والحرير، والأغنام، والأبقار.
ب- الجالية الأندلسية: يعتبررون من أبرز العناصر السكانية المشكلة للمجتمع الجزائري، نظرا لقوتهم العددية، ولدورهم في شتى مجالات الحياة، ويعود تواجدهم بالجزائر إلى الفترة الإسلامية.
ثم تواصلت هجراتهم إلى الجزائر، حتى قوي شأنهم وإزداد نفوذهم خلال القرن 15م مع إضطهاد الإسبان لهم وتهديداتهم في عقيدتهم ولغتهم.
كان للأندلسيين تأثير في المجتمع الجزائري ومكسب تاريخي في المغرب الإسلامي وخسارة الإسبان. لكونهم أكثر ثقافة وتطورا ونشاطا، وإستقرت هذه الجالية في كل من شرشال، تنس، دلس، ومستغانم، وقاموا بتشييد مدن جديدة كالبليدة، كما ساهموا في تطوير البحرية الجزائرية بأموالهم وخبراتهم في صناعة السفن والأسلحة، وكذا معرفتهم بالملاحة.
إضافة إلى مساهمتهم في المجال الإقتصادي بتطويرهم للمهن والأشغال اليدوية كونهم يمارسون كل الأشكال الفنونية كالخياطة والخزف، والنجارة، والفخار. خاصة صناعة الحرير بإدخالهم لدودة القز. ولم يكتفوا بهذا الحد بل ساهموا في تطوير الفلاحة من خلال وضع تقنيات الري بإنشاء السواقي، أما الجانب العمراني فقاموا بتحصين المدينة بواسطة بناء الحصون منها حصن الجزيرة، إضافة إلى هذا تفننوا في النحت والموسيقى، والخط والتعليم، والطب والوراقة.
كما عملوا على إثراء الحياة الإجتماعية بتقاليدهم وعاداتهم، حيث تميزوا برقة الذوق وتميزهم في المأكولات كطبق اللحم الحلو، والملبس كالقفطان.
رغم مشاركتهم في الأعمال التجارية، والبحرية، والإقتصادية، إلا أنهم لم يطمعوا في الإرتقاء إلى المناصب السياسية.
4- فئة البراني: هم سكان المدينة المؤقتين، أي الناصر المحلية الوافدة إليها من مختلف الأقاليم المجاورة لها، وحتى من داخل البلاد بغرض البحث عن العمل لكسب لقمة العيش، وهم بذلك عبارة عن بدو يسكنون الخيام ويعرفون بإسم القبيلة.
وينتسبون إلى موطنهم الأصلي وعلى رأس كل منها أمين مكلف بالسهر على مصالحها وتولى شؤونها ويساعده في ذلك أعوان.
وإختصت كل جماعة من جماعة البرانية في المدينة بالقيام بأعمال معينة، وأبرز تلك الجماعات السكانية التي كانت تشكل جزءا هاما وفعالا في المجتمع الجزائري منذ إستقرارها بالمدينة.


أ- جماعة البساكرة: تتكون من أهالي مناطق الزيبان ووادي ريغ ووادي سوف وتوقرت.

وهم حوالي إثني عشر قبيلة إنضوت تحت البساكرة الذين قدموا إلى المدينة بحثا عن العمل للعيش، وكان زعيم هذه الجماعة يعرف بالبسكري، وقد عمل أفرادها في مختلف المهن المتواضعة والأعمال الشاقة، كالقيام بحراسة المدينة ليلا بغلق أبواب أحيائها بعد صلاة المغرب، كما أوكل إليهم إحضار المياه إلى المنازل وتنظيف الشوارع وقنوات المياه، وحفر الآبار وكذا حمل البضائع، وجمع الأوساخ.
ب- جماعة بني ميزاب: ينتسب إليها السكان المنحدرون من غرداية وبني يزقن، ومليكة، وبريان، والقرارة بالإضافة إلى سكان بني ميزاب ومناطق الشعانبة وورقلة، وهم من أتباع المذهب الإباض)، وقد تخصص أفرادها في تسيير وإدارة الحمامات، ومطاحن الحبوب، كما كان منهم البقالون، والجزارون، وكذلك بيع اللحوم ونقلها مع البضائع كما إشتغلوا بالمقاهي والدكاكين، والمتاجرة في ريش النعام والعبيد.
وهكذا عرفت هذه الفئة في تفانيها في العمل والحرص على وجود السلع ونزاهتها.
وقد بلغ عددهم مطلع القرن19م حوالي ألف نسمة.
جـ- الجماعة الجيجلية: يعتبرون من أقدم العناصر البرانية المستقرة بالجزائر، لكسب قوتها منذ إستقرار الأخوين بربروس عروج وخير الدين بجيجل. وقد إختصوا بالعمل في المطاحن والمخابز.

د- جماعة الأغواطيين: ينتسبون إلى مدينة الأغواط وقبيلتي الزناجرة وأولاد نايل، ويرجعون إلى العناصر النازحة من الجنوب، وهم فئة قليلة العدد والأهمية، إذ يقومون بأعمال متواضعة، كإستخلاص الزيوت والمتاجرة فيها، ويشتغل البعض الأخر في نقل البضائع وأعمال التنظيف، وأيضا الكيل والوزن في الأسواق.
هـ- جماعة القبائل: يعود أصلهم إلى المناطق الجبلية القريبة من مدينة الجزائر لغرض العمل ومعظمهم من جرجرة، إذ بلغ عددهم في القرن19م نحو أربعة ألاف نسمة، إشتغلوا في الدكاكين والبساتين، وتجارة الفحم والألبان والزيوت.
5- الجالية اليهودية: تشكل العنصر المهم بين الدخلاء، ويتفرعون حسب أصولهم إلى ثلاثة أقسام: اليهود الأهالي التوشابيم المستقرين منذ العهد الروماني، ثم عرفوا باليهود العرب من طرف المسلمين الجزائريين، أما يهود الميغورشيم والمعروفين باليهود الأندلسيين إضافة إلى يهود الإفرنج أو يهود النصارى الذين جاءوا من البلدان الأوروبية خاصة إيطاليا، كيهود ليفورن وإستوطنوا الجزائر كعائلتي بكري وبوشناق.
وكان يتولى تسيير شؤونهم مقدم اليهود، ولقد مارسوا الكثير من الحرف أهمها التجارة، إذ كان لهم متاجر لبيع الخردوات، وكان منهم البقالون، والخياطون، وصانعوا لزجاج.
بالإضافة إلى صك العملة، وصناعة المجوهرات خاصة الحلي والمرجان، وكذا بروزهم في بيع الغنائم البحرية كالخمور واللحوم، وأيضا لعبوا دورا لوساطة التجارية والسمسرة حتى أصبحوا من كبار الأغنياء.
برز اليهود في المعاملات التجارية والمفاوضات بين التجار، هذا مكنهم من إحتكار التجارة الخارجية من طرف عائلتي بكري وبوشناق، كما ساهموا في التأثير على الحياة السياسية والإقتصادية خاصة في المراحل الأخيرة من الحكم العثماني، رغم حرمانهم من ممارسة الحياة الإدارية، إلا أنهم تمكنوا من دخول خزينة الدولة الجزائرية وإطلعوا على أسرارها.
لكن هذا لم يمنع أن يبقوا من أدنى الطوائف الحرة في المجتمع الجزائري، حيث كانوا يخشون السلطة إلى درجة أنهم عاملوا عبيدهم معاملة حسنة.
6- فئة المسيحيين: عرفوا بالدخلاء أي العناصر الأجنبية عن المجتمع الجزائري الإسلامي، وهم لا يرقون في الأهمية بالنسبة للطبقات الأخرى، كانت هذه الفئة تضم التجار الأجانب والقناصل ورجال البعثات الدينية والتبشيرية، وكذا جماعات الأسرى المسيحيين وهم الأغلبية في المجتمع الجزائري وغدوا إليه لأغراض سياسية وإقتصادية ودينية، وقد عمل بعضهم في النشاط البحري على السواحل الجزائرية، أما البقية الأخرى عملت في المزارع وشق الطرق، وبهذا إستفاد الجزائريون من الأجانب الأوروبيين من خلال التعرف على الروم والتبادل في التجارب والمهارات العسكرية. خاصة بناء السفن وحماية المراسي. كما إشتغل العبيد المسيحيون في رعاية البساتين وخدمة قصورالدايات.
وبلغ عددهم في القرن 18م نحو 1800- 2000 أسير كان مصدرهم القرصنة والحملات الأوروبية على الجزائر، حيث جاءوا من فرنسا، وإيطاليا،وإسبانيا، وروسيا، مارسوا مختلف الأعمال الشاقة كالنظافة والتجديف مقابل حريتهم
إذ كانت حياتهم عموما حسنة لهم لغة للتخاطب بها .أما القناصل ورجال الدين يعيشون في معزل عن باقي السكان وغير مجبرين بدفع الضرائب وحتى القوانين المعمول بها. بالإضافة إلى أنهم يسكنون منازل خاصة ضمن أحياء معروفة بهم كحي باب الوادي.
7- جماعة الزنوج: تتكون من الأحرار والعبيد السود الذين جاءوا عبر الواحات الصحراوية بحثا عن العمل(). كان أغلبهم من السينغال والسودان، قد بلغ عددهم في القرن 18م مابين 2000- 3500 نسمة بمدينة الجزائر. إشتغل هؤلاء العبيد في الأعمال المنزلية من خلال قيامهم بالتنظيف والغسيل. أما الأحرار فكانوا في شكل جماعات منظمة يرأسها أمين يدعى قائد الوص. ومارسوا مختلف المهن كالبناء والنسيج، إضافة إلى ممارسة بعض الفنون كالغناء والرقص،والموسيقى.
II- الحياة الإجتماعية للسكان في الجزائر:
تميزت الحياة الإجتماعية لسكان الجزائر أواخر العهد العثماني بطابع خاص. من حيث طريقة العيش التي ميزت المجتمع وطغت عليه بعاداتها وتقاليدها التي تجسدت في الحفلات الدينية وكذا حفلات الأعراس. بالإضافة إلى مختلف المرافق الإجتماعية كالأسواق والمقاهي، والحمامات.
1- المقاهي: تعتبر من الأماكن التي يقصدها الرجال في الجزائر، فهي بمثابة مؤسسة يتم فيها عقد الصفقات، كما هو المكان الذي يقصده الأجنبي قصد الإحتكاك بالشعب الجزائري بهدف التعرف على حقيقته وتعلم لغته.
لقد أخذت المقاهي إنتشارا واسعا في الجزائر. خاصة في الطريق المؤدي إلى الميناء وعرف بعدها بحي المقاهي وقدر عددها نحوى ستين مقهى، يجتمع فيها الناس منذ الصباح الباكر حتى تمتلئ القاعة تدريجيا. لكن ما يميزها هو طريقة الجلوس حيث يجلس الأتراك علة المقاعد لتناول القهوة أو الشاي كونهم الطبقة الأرستقراطية. أما البقية يجلسون على الحصير المفروش على الأرض. هذا وأنها لا تخلوا من الموسيقى والغناء بعد صلاة الظهر إذ كانت تلقى إقبالا كبيرا من الزبائن.
2- الأسواق: عرفت الجزائر ظهور بعض الأسواق التي يتم فيها بيع مختلف السلع والبضائع كالعطور والمنسوجات والمجوهرات. من أشهرها سوق بوفاريك.
إضافة إلى وجود عدة أنواع أخرى، كانت مقسمة إلى فنادق، حيث خصص كل واحد منها لنوع من البضاعات كقاعة الزيت ، وقاعة الجلد
وكانت هذه الأسواق مكسب رزق للسكان في الجزائر. خاصة الصناعة اليدوية التي إختص بها بعض السكان مثل صناعة الحلي، والأسرجة، كما كان يوجد بالأحياء الجزائرية أسواق كثيرة منها سوق باب عزون، وسوق باب الوادي. وقد لوحظ بهذه الأسواق الذهب المكسيكي، والماس الهندي، وحرير الشرق وأقمشتهم، إذ كانت السفن ذات الأعلام المختلفة تدخل وتخرج من الجزائر مليئة بالثروات الإحتياطي
3- الحمامات: تعتبر من الأماكن العامة، وتظهر في كل الأحياء الجزائرية حتى أنه يصعب التفريق بينها وبين البيوت العادية، تتميز هذه الحمامات ببناياتها الواسعة والمجهزة بالماء البارد والساخن كما تتوفر على كل ما يحتاجه الزبون من راحة وإستجمام كونها نظيفة ومضاءة في السقوف إضافة إلى وجود غرف واسعة وجانبية توضع فيها ثياب الزبائن، وفيها خدم يحرسون على راحة الزبون وتلبية طلباته.
وعليه كان للحمامات أغراض مختلفة، خاصة الإجتماعية كونها تعد مقصد الناس بالأخص النساء، وكانت في الحمامات تناقش كل الأعمال منها التجارية وتحكى الأمور العائلية بين الأصدقاء، كما تعالج أمور الزواج


4- العادات والتقاليد:
مارس سكان الجزائر عادات مختلفة وكثيرة منها حفلات الختان والخطبة والزواج وإستقبال وتوديع الحجاج، إضافة إلى المناسبات الدينية كشهر رمضان الذي كانت تقام فيه عادات خاصة ميزته عن باقي الشهور الأخرى، كختم القرآن في المساجد وإضاءة الشموع، ومجمع الشعائر الدينية التي تقام في أنحا الجزائر كما كان الناس فيهذا الشهر الفضيل يسهرون ويخرجون لزيارة الأقارب والجيران خاصة النساء حتى اللواتي لا يخرجن إلا نادرا لتبادل أطراف الحديث والإستمتاع بالسهرة حسب طريقتهم أما الرجال يتوجهن إلى المساجد للصلاة والقيام بالعبادة ثم يذهبون إلى المقاهي وأماكن التسلية، وهكذا يعد شهر رمضان من أهم الأشهر السنوية التي تبعث الفرح والسرور في نفوس السكان
وبعده مباشرة يأتي عيد الفطر المبارك الذي يحتفل بها السكان، حيث يستيقضون على الموسيقى، ويرتدون أجمل الثياب المطروزة من الذهب والفضة، وحتى المصنوعة من الصوف والقطن. وبعد صلاة العيد وتبادل التهاني يذهب الناس إلى زيارة المقابر والأقرب والجيران.
كما تمارس في عيد الأضحى المبارك أيضا مراسيم دينية. حيث تقام الصلاة في المساجد صباحا، ثم يتم ذبح الأضحية التي تعد كأمر مميز، إضافة إلى القيام بالألعاب البهلوانية المختلفة بحضور الداي وكبار رجال الدولة.
أما المولد النبوي الشريف فكان فيه الإحتفال مميز، حيث تكون مختلف الأطباق من الحلويات والمأكولات كما تشعل فيه الشموع. وكان ليوم الجمعة أيضا مظهر خاص حيث تغلق أبواب المدينة عند الصلاة، وتغلق الدكاكين ولا تفتح إلا بعد الصلاة، وتخرج بعض العائلات في نزهة أو زيارة بعضهم البعض، أما النساء فيكتفين بزيارة المقابر
وعند أفراح الزواج والأعياد العائلية، فكان السكان يستلفون من بعضهم الحلي والجواهر الثمينة، ويرتكز هذا على الثقة وكرامة الناس، فكانت بعض الأسر الغنية تشتري الحلي الفاخر ويعار للفقراء والأيتام عند زواجهم .

كما عرفت وإنتشرت ظاهرة الزواج في وسط المجتمع الجزائري. لكن رغم ذلك إلا أن الرجل كان يكتفي بمرأة واحدة رغم تعدد الزوجات في الإسلام، كما كانت هناك حلقات الإنشاد وإنتشار المسرح مثل مسرح القرقوز.
5- الطعام:
كانت الجزائر مليئة بمختلف أنواع الأطعمة، من لحوم وأسماك، غير أن طعام سكان المدينة إقتصر على السمك، إضافة إلى الكسكس كان الطبق الشعبي المشهور وكان يفتل بشكل حبات صغيرة ويقدم بالخضر، إضافة إلى ما شيع عن المجتمع الجزائري هو الاستهلاك الكثير للحم الثور المجفف والقليل من لحم البقر.

نقلا عن: منتديات ستار تايمز

ليست هناك تعليقات