المجتمع القبلى فى إيران

شارك:
هذا العنوان هو ترجمة لعنوان الكتاب الذى ألَّفه الدكتور على بلوكباشى باللغة الفارسية (جامعه ايلى در ايران) ونشر عام 1382 ش (2003) ضمن سلسلة (از ايران چه مى دانم ؟) أى : ماذا أعرف عن إيران ؟ العدد 31، وهى سلسلة ثقافية تتناول كل مناحى الحياة فى إيران. أما عن مؤلف الكتاب فهو مولود فى طهران عام 1936، وحصل على درجة الماجستير فى علم اللغة واللغات الإيرانية القديمة من جامعة طهران، ثم حصل على درجة الدكتوراه فى علم الإنسان الإجتماعى من جامعة «أكسفورد» فى إنجلترا. ونذكر من مؤلفاته: «معجم الثقافة الشعبية الإيرانية»، و»المقاهى فى ايران»، و»جزيرة قشم: صدفة الخليج الفارسى المغلقة»، و»صناعة السجاد فى مشهد اردهال» و»النوروز عيد تجدد الخلق»، و»نخل گردانى: عرض تمثيلى حول خلود حياة الشهداء»، وكذلك أكثر من مائتى مقالة علمية وبحثية فى دوائر المعارف والمجلات العلمية الإيرانية والأجنبية. أما عن الكتاب فقد ضم بين دفتيه ثمانية فصول، تحدث فى أولها عن التعريفات الخاصة بكلمة قبيلة والمجتمع القبلى والعشائرى، وفى الثانى تحدث عن أسس تصنيف وتقسيم المجتمع القبلى والعشائرى، وفى الثالث تناول أساليب المعيشة وإحصائيات عن عدد القبائل، وفى الرابع تحدث عن البنية الإقتصادية فى المجتمع القبلى، وخصص الفصل الخامس لنظام الأسرة والزواج فى هذا المجتمع، وفى الفصل السادس تحدث عن البنية الاجتماعية والطبقية، وفى الفصل السابع تناول البنية السياسية والنظم السياسية التقليدية ومراكز القوى فى هذا المجتمع. أما الفصل الأخير فقد خصصه للبنية الثقافية سواء من ناحية اللغات واللهجات أو من ناحية الدين والمذهب. انتشرت فى الغرب الدراسات الأنثروبولوجية (علم الإنسان) وهى الدراسات التى تعنى بأصل الجنس البشرى وتطوره وأعراقه وعاداته ومعتقداته، والنظم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية السائدة فى المجتمعات البشرية، وكانت إيران وسكانها وثقافتها من ضمن هذه المجتمعات التى خضعت للدراسة الميدانية من قبل علماء الغرب فى النصف الأول من القرن العشرين، ومن أوائل العلماء الذين إهتموا بدراسة الأقوام والعشائر والقبائل الإيرانية نذكر هنرى فيلد H.FIELD وكارل فيلبرج C.FEILBERG وفردريك بارث F.BARTH وغيرهم. وقد جاء هنرى فيلد عالم الأنثروبولوجيا الأمريكى إلى إيران مع مجموعة من الباحثين من قسم الأنثروبولوجيا بمتحف التاريخ الطبيعى فى شيكاغو عام 1934، وقاموا بعمل دراسات وافية عن القبائل المنتشرة فى ايران، وألَّف فيلد نتيجة بحوثه ودراساته كتابا بعنوان «إسهام فى الأنثروبولوجيا الايرانية»(CONTRIBUTION TO ANTHROPOLOGY OF IRAN)، وذلك فى عام 1939، وتُرجم هذا الكتاب إلى الفارسية تحت عنوان «مردم شناسى ايران»، وقام بهذه الترجمة عبد الله فريار فى عام 1343ش (1924). ويضم هذا الكتاب معلومات وافية عن الصفات الجسمانية للشعوب التى تقطن إيران، وقائمة بالقبائل والعشائر الرحل والمستقرة فى هذه البلاد، وتنظيماتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية. أما فيلبرج عالم الأنثروبولوجيا الدانماركى؛ فقد قام بأبحاث حول مجتمعات القبائل الرحل فى منطقة «لورستان» عام 1935، وألف فى هذا الصدد كتاب «الخيمة السوداء» عام 1944 (LA TENTE NOIRE)، والذى ترجم أيضا إلى الفارسية تحت عنوان «سياه چادر» على يد أصغر كريمى عـام 1372ش (1993) وكتاب «قبيلة بابى» عام 1952، وترجمه أيضا أصغر كريمى إلى الفارسية عام 1369ش (1990) تحت عنوان «إيل پاپى». أما «بارث» عالم الأنثربولوجيا النرويجى، فقد قدم إلى إيران عام 1958 لدراسة القبائل الرحل والقضايا الخاصة باستقرارهم، وأقام بين أفراد قبيلة «باصرى»، وألَّف كتابا عن هذه القبيلة بعنوان: NOMADS OF SOUTH PERSIA : THE BASSARI TRIBE OF THE KHAMSEH CONFEDERACY. وطُبع فى أوسلو عام 1961، وترجمه إلى الفارسية كاظم وديعى عام 1343ش (1964) تحت عنوان «ايل باصرى». كما كتب بارث عدة مقالات درس فيها النظم الاقتصادية والثقافية فى المجتمعات القبلية المتنقلة. ومنذ ذلك الوقت تزايدت البحوث الميدانية حول القبائل والعشائر الإيرانية والنظم الاجتماعية والثقافية والسياسية السائدة فى تلك المجتمعات، خاصة من قبل الباحثين الأوروبيين والأمريكيين، كما قُدِّمت بعض رسائل الدكتوراه حول نفس هذا الموضوع، وقد أُعِدَّت بعد عمل الدراسات الميدانية اللازمة بين أهل هذه العشائر والقبائل، ومن هذه البحوث ما قام به العالم الفرنسى بيير ديجار J.P. DIGARD، والأمريكى جون راف جارثويت G.R. GARTHWAITE، والألمانى ديتر إمان D.EHMANN، بين عشائر البختيارية، وكذلك بحوث برايان اسبونر B.SPOONER الإنجليزى، وفيليب سالزمان F.SALZMAN الأمريكى، حول المجتمع البلوچى (البلوتشى)، ودراسات ويليام آيرونز W.G.IRONS الأمريكى، وولفجانج كونيج W.KONIG الألمانى، عن التركمان، وبحوث بيير أوبرلينج P.OBERLING الإنجليزى، ولويس بك L.BECK الأمريكى عن عشائر الترك القشقائيين، وهى التى كُتبت ونشرت على شكل كتب ومقالات. ومن أطول الدراسات والبحوث الميدانية التى أجريت حول الإنسان فى ايران ما قام به ريتشارد تابر R.TAPPER عالم الأنثروبولوجيا الإنجليزى ورئيس قسم الأنثروبولوجيا بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية (S.O.A.S) بجامعة لندن بين قبائل الشاهس?ان SHAHSAVAN، وكذلك بحوث راينولد هانس لُفْلِر R.H.LOFFLER وزوجته السيدة اريكا فريدى E.FRIEDI، وهما عالمان نمساويان أصلا، ومقيمان فى الولايات المتحدة، ويعملان كأستاذين فى علم الأنثروبولوجيا بجامعة ميتشيجان الغربية، وقد درسا قبائل «بوير أحمدى» فى إقليم كهگيلويه وبوير أحمد. كما ركَّز «تابر» على دراسة الشاهس?ان فى إيران، وزار إيران عدة مرات، وعاش بين قبائل الشاهس?ان فترات طويلة وأحيانا قصيرة، وتنقل معهم من المشتى إلى المصيف وبالعكس. وقد اعتمد تابر فى رسالته للدكتوراه على أساس الدراسات الميدانية الأولية التى قام بها فى مجتمع الشاهسيون، وكتبها تحت عنوان: الشاهسيون فى آذربايجان: دراسة عن التغييرات الاقتصادية والسياسية لمجتمع قبلى فى الشرق الأوسط، وذلك فى عام 1972. (THE SHAHSAVAN OF AZARABAIJAN: A STUDY OF POLITICAL AND ECONOMIC CHANGE IN A MIDDLE EASTERN TRIBAL SOCIETY. LONDON , 1972). ثم ألّف بعد ذلك أعمالا عدة على هيئة كتاب أو مقالة فى مجال التاريخ الاجتماعى والسياسى للشاهس?ان وقضية ترحالهم والنظام الاقتصادى للرعاة الرحل. وقد بدأت بعد ذلك أعمالا عدة على هيئة كتاب أو مقالة فى مجال التاريخ الاجتماعى والسياسى للشاهس?ان وقضية ترحالهم والنظام الاقتصادى للرعاة الرحل. وقد بدأت دراسات لُفْلر وزوجته فريدى الميدانية منذ عام 1965 فى كهگيلويه وبين قبائل «بوير احمد»، وما زالت مستمرة حتى الآن. وتدور أبحاثهما حول النظام الاجتماعى والسياسى والإقتصادى والثقافى القائم عند هذه القبائل. وقد كتبا عدة مقالات حول مجتمع «بوير أحمدى» القبلى باللغتين الألمانية والإنجليزية بمشاركة بعضهما أحيانا، ومنفردين أحيانا أخرى، ومن أبرز ما كتبه لفلر عن قبائل «بوير أحمد»: المعتقدات الدينية فى قرية إيرانية عام 1988، ومن أبرز أعمال زوجته فريدى ما كتبته حول حياة النساء فى إحدى القرى الإيرانية عام 1989. كما أسهم الباحثون الإيرانيون أيضا بنصيب فى مثل هذه الدراسات، يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال عملين هامين هما: كتاب «جبل گيلويه وقبائله» تأليف محمود باور، وكتاب «تقاليد وعادات العشائر الفارسية» تأليف محمد بهمن بهمن بيگى، وقد نُشر هذان العملان فى عام 1324ش (1944)، وقام بعد ذلك عدد من الباحثين من الجامعات والمراكز البحثية والعلمية بعمل بحوث مماثلة حول القبائل والعشائر نذكر منهم: هوشنگ پور كريم، والأستاذ جواد صفى نژاد، والدكتور محمد كيوان پورمكرى، والدكتور حبيب الله پيمان. هذا بالإضافة إلى الباحثين الإيرانيين الذين درسوا فى الخارج وقاموا بعمل بحوث ودراسات سجلوها فى كتب أو مقالات نشرت داخل إيران وخارجها باللغة الفرنسية أو الإنجليزية أو الألمانية أو الفارسية، ومن هؤلاء نذكر الدكتور نادر افشار نادرى والدكتور سكندر امان اللهى بهاروند. والكتاب الحالى هو عبارة عن محاولة للتعريف بالشكل التقليدى والنظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية الموجودة فى المجتمعات القبلية الإيرانية اعتمادا على ما كتبه الباحثون الإيرانيون والأجانب، وما قاموا به من دراسات ميدانية، كما أنه يعتمد أيضا على مقالتين لمؤلف الكتاب إحداهما بعنوان «القبيلة» والثانية بعنوان «المجتمع القبلى» نشرتا فى دائرة المعارف الإسلامية الكبرى (المجلد 10- 1380ش 2001). أما عن كلمة قبيلة أو «ايل» او «إل» فى اللغة الفارسية فهى كلمة تركية مغولية كانت موجودة منذ أكثر من ألف سنة، وقد تطور معناها خلال تلك الفترة؛ حيث إنها كانت تستخدم فى النصوص التركية والفارسية القديمة بمعنى الولاية أو السلام والصداقة، والجماعة والطائفة، والصديق، والهادئ والمطيع، والناس. وأقدم وثيقة استخدمت فيها هذه الكلمة هى نقوش «اورخون» التى ترجع إلى عهد الأتراك السلاجقة فى القرن الثانى الهجرى، وقد فسرها البعض بناء على هذه النقوش بأنها كانت تعنى مجموعة من الناس مستقلة ومنظمة يرأسها «خاقان». وقد ذكر الكاشغرى فى «ديوان لغات الترك» فى القرن الخامس الهجرى المعانى الأخرى للكلمة ومنها: الولاية والسلام والجماعة. غير أن استخدام كلمة «ايل» بمعنى مطيع وتابع فقد استخدمت على ما يبدو فى القرن السابع الهجرى فى التاريخ والأدب الفارسى، حيث استخدمها رشيد الدين فضل الله فى كتابه «جامع التواريخ» عدة مرات بهذا المعنى، وركَّب منها مصدرين هما «ايل كردن» و»ايل شدن» بمعنى: أن يطيع. ومنذ عصر الايلخانيين استخدم مصطلح «ايل- خان» وأطلق على الحكام المغول فى ايران الذين كانوا تابعين ومطيعين للخان الأعظم هولاكو. واستخدمت كلمة «ايلات» فى الفارسية وهى جمع تركى- عربى لكلمة ايل بمعنى الجماعة من الأفراد الرحل وأشباه الرحل الذين يتميزون بنظام إجتماعى وسياسى خاص. ومن الألفاظ المماثلة لكلمة قبيلة أو «ايل»، والتى تستخدم فى الفارسية بنفس المعنى تقريبا فى النصوص الجغرافية والتاريخية بشكل مفرد أو جمع كلمات عربية مثل عشيرة (عشاير)، وقبيلة (قبايل)، وطايفة (طوايف)، وكذلك الكلمات التركية: اويماق (اويماقات) وأولوس (أولوسات) وهى تستخدم جميعها دون النظر إلى المفاهيم الإجتماعية والثقافية والسياسية الحقيقية لكل منها. المجتمع القبائلى العشائرى: من أقدم من قاموا بتعريف المجتمع القبلى والعشائرى وكيفية حياة أهله كابن خلدون المؤرخ الاسلامى وعالم الإجتماع الكبير. وقد قسم المجتمعات الإنسانية فى عصره إلى مجموعتين: الأولى وتسكن البادية، والثانية وهى التى تستقر فى مكان واحد، واستخدم ابن خلدون مصطلح ساكنى البادية للدلالة على القبائل التى لها عصبية، أى يكون كل أفراد القبيلة من أسرة واحدة ومن أصل واحد، فتنشأ بينهم هذه العصبية. ولم يميز المؤرخون الإيرانيون القدامى بين القبيلة والعشيرة، واعتبروا كلمتا «ايلات» و»العشائر» كلمتين مترادفتين، تصف كل منهما جماعة من القبائل الرحل الرعاة المقيمين فى الخيام. إلا أن علماء الأنثرولوبولوجيا يستخدمون مصطلحى «ايل» و»عشيرة» بمفهومين مختلفين اليوم، فنجد «حسين فسايى» يميز بين مصطلحى «ايل» و»طايفة» فى موضع واحد؛ فيستخدم كلمة «ايل» للدلالة على الناس الذين يعيشون حياتهم فى الصحارى والخيام، ويتنقلون بين المصايف والمشاتى، أما «الطائفة» فإنه يستخدمها للدلالة على الناس الذين لا يتنقلون وليسوا من عشائر القبائل، ويعيشون فى الخيام السوداء أو فى القرى. ومنذ العصر الصفوى وما تليه نجد بعض المؤرخين من أمثال «اسكندر بيك منشى» فى كتابه «عالم آراى عباسى» و»محمد كاظم» فى كتابه «عالم آراى نادرى» يستخدمون مصطلح «طايفه» بين الحين والآخر بدلا من مصطلح «ايل» للدلالة على الجماعات المتنقلة. أما بالنسبة لأسس تصنيف المجتمعات القبلية والعشائرية ؛ فالمعروف أن قبائل إيران وعشائرها تضم أقواما مختلفة لهم ثقافات ولغات ولهجات متعددة مثل الأكراد واللور والبلوش والفرس والترك والتركمان والعرب. وكل مجتمع من هذه المجتمعات القبلية له خصائص ومميزاته القومية والثقافية واللغوية الخاصة بـه. وقد تم تصنيف الجماعات القبلية والعشائرية فى إيران طبقا لأسس منشأهم القومى واللغوى والتاريخى ووضعهم الحالى ومدى ترابطهم، وذلك طبقا لما جاء فى الوثائق التاريخية والجغرافية والرسمية، وفى بعض التقارير والدراسات التى كتبها الكتّاب الإيرانيون والأجانب. إن أقدم تصنيف نصادفه للقبائل هو تصنيف محمد حسين المتوفى فى العصر الصفوى فى الفهرست الخاص بالإحصاء المالى والعسكرى الإيرانى عام 1128 هـ (1715). وبناء على هذا التصنيف فقد قسم القبائل إلى مجموعتين كبيرتيـن: إيرانية وغير إيرانية، وذكر فهرسا للقبائل والعشائر التابعة لكل واحدة من هاتين المجموعتين طبقا للتوزيع الجغرافى لها. كما قسم مجموعة القبائل الإيرانية الأصل التى لم تختلط بالطوائف الأخرى إلى ست فرق أو جماعات تقيم فى الصحراء، وذكر أن هذه الجماعات تعيش فى الجبال ويعيش زعماؤها أحيانا فى المدن، وهذه الفرق الست هى: 1- اللور وينقسمون إلى 118 جماعة اندمجت فى أربع طوائف كبيرة هى : فيلى، ولك وزند، وبختيـارى،، ومميسنى (ممسنى). 2- گروس وكلهر ومكرى3- اكراد خراسان، وتضم الطوائف الكبيرة المسماة: زعفرانلو، وسعدانلو، وكوانلو، ودوانلو 4- جلاير خراسان 5- قرائى 6- جلايى. كما قسم مجموعة القبائل الأجنبية أو غير الإيرانية التى وفدت إلى إيران من بلدان أخرى إلى فرقتين عربية وتركية. أما الأتراك فقد قسمهم إلى ست طوائف هى : 1- الأفشار (شاملو، وقرخلو، وسروانلو)، والبيات والدنبلى. 2- القاجار والقجر 3- الشقاقى 4- الزنگنه 5- القراگوزلو 6- الشاهسي?ان (الشاه س?ان). وقسم فرقة العرب أيضا إلى ست طوائف هى: چعْب (كعب)، وعرب الحويضة. (الحويزة، الهويزة)، وعرب فارس، وعرب ميش مست خراسان، وعرب زنگويى، وعرب عمرى. وتقسم المستشرقة الأمريكية مارى شيل M.SHEIL فى كتابها «لمحات عن الحياة وأنماطها»: GLIMPSES OF LIFE AND MANNERS IN PERSIA (NEWYORK 1973) القبائل الإيرانية فى النصف الأول من القرن التاسع عشر إلى ثلاث مجموعات ترجع إلى أصول تركية ولك وعرب. أما القبائل التركية فهى بقايا الغزاة من القبائل التركية التركستانية، وأما الـ «لك» فهم من جماعات ذات أصول إيرانية أصيلة، وأما العرب فهم الذين كانوا من نسل العرب الذين سكنوا السواحل المقابلة للخليج الفارسى، ويرجع أصلهم إلى القبائل العربية التى انتشرت فى إيران والتى خلفها الفاتحون العرب أو المهاجرون بعد ذلك. وتعتبر «شيل» أن العرب الذين يقيمون على سواحل إيران من القبائل ذات الأصول العرقية واللغوية المحلية الذين تحولوا إلى ايرانيين ولم يحافظوا على خصائصهم القومية واللغوية. أما اللور والبختياريين من الـ «لك» والأكراد فهم من أعضاء الأسرة الإيرانية، وهما من أصول فارسية قديمة. وقد أعدت «شيل» قائمة بالقبائل والعشائر الإيرانية طبقا لانتشارها الجغرافى، وذكرت أصولهم القومية واللغوية وعدد خيامهم أو منازلهـم. أما المستشرق لامتون A.K.S.LAMBTON فقد ذكر فى دائرة المعارف الإسلامية تحت عنوان «ايلات» أن القبائل الرحل والشبيهة بالرحل فى ايران تصنف إلى ثلاث مجموعات كبيرة هى: العرب والتركمان والترك، واعتبر القبائل التابعة للكرد واللور والبلوش والجيل (گيل) التى كانت تعيش قبل الفتح العربى لإيران من المجموعة الثالثة. وقد قسم بعض الباحثين القبائل والعشائر على أساس اللغة الشائعة بينهم إلى ست مجموعات هى: التركمان والأتراك والأكراد واللور والعرب والبلوش. كما قسم حشمت الله طبيبى فى كتابه : أسس علم الإجتماع وعلم أنثروبولوجيا القبائل والعشائر (مبانى جامعة شناسى ومردم شناسى ايلات وعشاير- تهران 1374ش) القبائل إلى خمس مجموعات كبيرة على أساس الخلفية التاريخية والخصائص القومية واللغوية والثفافية والاجتماعية، وهى : 1- قبائل الأكراد واللور الذين يعود تاريخهم إلى نزوح الآريين إلى إيران 2- قبائل الأتراك وماضيهم التاريخى القديم مثل قبائل القشقائية والشاهس?ان والأفشار 3- قبائل وطوائف البلوش والسيستانية 4- قبائل التركمان 5- العشائر المتحدثة باللغة العربية وعدة جماعات فارسية أو متحدثة باللغة التركية والمنتشرة فى كرمان وخراسان ووسط إيران. ولا يمكن اعتبار تصنيف القبائل والعشائر على أساس الخصائص القومية واللغوية تصنيفا دقيقا وعلميا فى الدراسات الأنثروبولوجية، ذلك لأنه توجد قبائل وطوائف ذات أصول قومية ولغوية مختلفة اختلطت وامتزجت مع بعضها البعض وشكلت فى النهاية قبيلة أو طائفة واحدة ذات نظام اجتماعى وسياسى موحد. وأبرز نموذج على هذه المجموعة من القبائل قبيلة القشقائية الكبيرة؛ فرغم أن المنشأ القومى للجماعات الأصلية التى تشكل هذه القبيلة يرجع إلى الأقوام المتحدثة باللغة التركية والنازحة إلى إيران، إلا أنها اختلطت واندمجت مع مجموعات أخرى من أقوام غير تركية اللغة وظهر تشكيل قبيلة القشقائية. أما عن التقسيم والتصنيف القائم على أساس الوضع الحالى للقبائل، فقد قسمها «فيروزان» فى كتابه «حول تكوين وتشكيل القبائل والعشائر الايرانية» (در باره تركيب وسازمان ايلات وعشاير ايران- تهران 1362) إلى خمس مجموعات كبيرة هى: اللور، واللك، والأكراد، والبلوش، والبراهويى، والترك والعـرب. وجعل من الوضع الحالى لهذه القبائل معيارا للتصنيف والتقسيم، وليس الأصل والمنشأ التاريخى، ذلك لأن كثيرا من القبائل التى تعد اليوم كردية أو تركية كانت فى الأصل من اللور أو اللك، والعكس. فمثلا طائفة «تُركاشْوَنْد» فى همدان كانت فى الأصل من اللور، ولكنها بعد أن انتقلت إلى مكانها الحالى وجاورت طوائف الأكراد مثل طائفة «جُمور»، فقد أخذ أفرادها يتحدثون باللغة الكردية، ولذلك فهى تعد حاليا ضمن عشائر الأكراد. وكذلك الحال بالنسبة لقبائل «الأقاجارية» التى تعد اليوم من قبائل لور كهگيلويه وبوير احمد ؛ فقد كانت أصلا من الأتراك، ومن المحتمل أنها كانت من طائفة «آغاج ايرى» من قوم الغز (الأوغوز). كذلك الحال بالنسبة للطائفة المسماة بالكرد والتى تقطن فى شمال سيستان وبلوشستان، فقد كانت أصلا من الأكراد، وهى اليوم بعد أن اعتادت على الثقافة البلوشية تعد جزءا من أقوام البلوش. وهناك من العلماء الأجانب من صنفوا المجتمعات القبلية فى ايران على أساس البنية الاجتماعية والسياسية للقبائل، ومن ثم فإنهم جعلوا من التكتلات القبلية أو القبائل الكبيرة التى تتمتع ببنية مركزية وقوة الأسر الخاصة برؤساء القبيلة أساسا لتقسيمهم. ومن أقدم هذه المجموعات القبلية قبيلتا «الآق قويونلو» و «القره قويونلو» فى القرن التاسع الهجرى، و»القزلباش» وبعض القبائل الكبيرة الأخرى فى القرن العاشر وحتى الثانى عشر، وهم الذين حاربوا الحكام آنذاك. وقد كانت التكتلات والتجمعات القبلية البختيارية والقشقائية نموذجا آخر يمثل هذه المجموعات القبلية فى القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين. وكان رؤساء هذه القبائل الكبيرة أصحاب نفوذ وثروة، كامتلاكهم للماشية والأغنام والأراضى الزراعية والمنازل المشيدة فى المدن التجارية الهامة. هذا بالإضافة إلى استفادتهم من جمع الضرائب والمساعدات الحكومية، حتى أصبح بعضهم- ومنهم زعماء البختيارية- من اصحاب الدخول الكبيرة عن طريق حق إمتياز النفط فى مطلع القرن العشرين. أما المجموعة الثانية من هذه القبائل، فهى التى تمتعت ببنية سياسية مركزية محلية وزعامة أقل قوة مثل: «الشاهس?انيون» و»القره داغيون» فى آذربايجان، والأكراد الموجودون فى غرب ايران وخراسان، والجماعات القبلية البلوشية فى جنوب شرق إيران، وكانت هذه المجموعة من القبائل عادة ما تتصل بالحكومات على مستوى المنطقة. والمجموعة الثالثة هى مجموعة القبائل التى ليس لها بنية سياسية مركزية، وتنتشر بدون زعامة بارزة ومحددة. ومن أشهرها: قبائل تركمان «يموت» فى جرجان التى تشكلت من عدة طوائف قوية، وقد استطاعت هذه المجموعات القبلية الوقوف فى وجه الحكومات نظرا لانتشارها ونظامها السياسى غير المركزى أكثر من القبائل الأخرى.
بقلم: أ.د. محمد نور الدين عبدالمنعم
المصدر: مختارات إيرانية

هناك تعليق واحد:

  1. يسعد اوقاتكم
    ممكن المقال عن المجتمع القبلى فى إيران للدكتور على بلوكباشى للضرورة الماسة
    وشكرا

    ردحذف